الأحدث

تهريب الجنس من نشاط إنساني حقيقي إلى ممارسة رقمية استيهامية …

حبيبي عبدالإله : "مقالات في الإنسان"

كثير من الدراسات أثارت أسئلة مقلقة حول خطورة النشاط الرقمي على النشاط الجنسي الواقعي، أي أن الجنس بدأ يختفي من العلاقات الإنسانية الحقيقية، ليؤسس له وضعا رقميا في سياق انتقال العلاقات التواصلية من الحياة العادية إلى الممارسة الافتراضية التواصلية بشكل يكاد يقضي على الاتصال الجنسي الفعلي بين الناس…

رحيل الجنس، أو ترحيله إلى منصات التواصل الاجتماعي، واستضافته من لدن منصات كثيرة تقوم بمهام البحث عن الشريك المناسب أو الشريكة المتخيلة لإبرام عقد النكاح افتراضي بموجبه يتم الشروع في تبادل أولى عبارات الوصال وما يتصل به من حميمية ومشاعر قد تتحول إلى لقطات حقيقية يوما ما، كما قد تظل حبيسة جدران الغرف الرقمية التي لا تتوقف عن استئناف رحلة البحث عن مغامرة عاطفية أو جنسية افتراضية ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له من المقترحات المفتوحة على كل الجنسيات والديانات والأوطان مما يجعل سوق البحث عن الشريك مفتوحا على كل الاحتمالات والانتكاسات …

لكن أهم ما ما يثير في هذا الموضوع هو أن الجنس بدأ يختفي كحقيقة جسدية من الواقع السريري الحقيقي، لأن الساعات التي يقضيها الرجال والنساء في تقليب صفحات حواسبهم وشاشات هواتفهم يستغرق تقريبا كل الوقت الذي يمكن أن يخصصوه لعلاقات حميمية حقيقية مع شريك واقعي حميمي كان زوجا أو زوجة، لكن العكس هو الذي يحصل حيث أن كلا الطرفين يبحثان عن المجهول والغريب وغير المألوف لأن الحقيقي أصبح نمطيا يثير الملل ويسبب شلل الإثارة، وقد يصيب الحواس النشيطة بالتبلد والضمور، لهذا تنطلق رحلة البحث عن فرجة رقمية غالبا ما تنتهي إلى انتكاسات قد تؤزم الوضع داخل الأسر، بل وقد تفجرها باكتشاف خيانات رقمية لها أبعاد واقعية معقدة…

لوحظ أيضا أن النشاط الجنسي عند الشباب قد تراجع بالمقارنة مع الأجيال التي عاشت في عصر كان خاليا من الأنترنيت وتأثير وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، حيث كانت العلاقات الإجتماعية جد مكثفة، توفر فرصا من الاتصالات المباشرة بين الأفراد ، فرصا لم تكن تخلو من نشاط جنسي متنوع الأشكال ووسائل الإشباع… لكن الأجيال الحالية وجدت نفسها في سياقات اجتماعية تحكمها التكنولوجيا والشركات الإعلامية الكبرى المتحكمة في مواقع التواصل الاجتماعي وغرف التعارف وغيرها من الزوايا الافتراضية التي عوضت زوايا الدروب والحومات والأماكن العمومية التي فيها كان يتم التعارف بين الفتيان والفتيات لخلق علاقات وتجريب مغامرات عاطفية قد تنتهي بالزواج أو بالانفصال …

أما الباحثون عن المتعة الجنسية الحرة فكانوا يعرفون الأزقة التي توفر هذا النمط من الجنس السريع، وقد كانت كل المدن والقرى تتوفر على بيوت أو وسيطات أو وسطاء لتسهيل اللقاءات وإشباع الرغبات الطبيعية في سرية الجنس “الحرام”… لكن سرعان ما تم تهريب هذا النوع من الجنس إلى العالم الرقمي، ليصبح تجارة عالمية منظمة تسيطر عليها شبكات عالمية تدر عليها ملايير الدولارات سنويا… وقد يجد الزبون نفسه بصدد ممارسة الجنس مع الصور و الأضواء و الإثارة الوهمية ليغادر المنصة وهو منهك جسديا ومحبط نفسيا واستيهاميا…
الغريب في الأمر هو أن الجنس ظل مطلبا حيويا حتى ولو سرقته الشركات الرقمية وحولته إلى امتياز لا يمكن لأي كان أن يقتات من متعه أو ينال كل لذاته إلا إذا توفر على المال الكثير والوقت الوفير والخبرة التقنية اللازمة…هو الهارب والناس وراءه يهتفون باسمه ويطلبون لقاءه..مشهد مؤلم ومقرف….

لقد أصبحت الأسِرّة خالية من المعارك الجسدية الحقيقية لتترك الفرصة لأسِرّة وهمية تراقبها الكاميرات وتراها عيون متلصصة خبيثة الطوية.. . ولازال هذا العالم الافتراضي يسرق الكثير من الجوانب الحية في واقعنا، حتى الروتين اليومي لبعض النساء أصبح تجارة مربحة، لأن المقصود فيه هو اختراق الحياة الخاصة للمرأة وهي تشتغل في البيت، وكيف تتعامل مع جسدها خلال أدائها للكثير من المهام المنزلية، إنه نشاط في مظهره أشغال منزلية لكن باطنه إثارة جنسية تلصصية.. . لم يبق وقت كاف للبحث عن الجنس الواقعي وما يتطلبه من معاناة و مجهودات، حيث عوضه الجنس الرقمي الذي لا يستدعي سوى هاتف نقال ومكان آمن لممارسته في شكل استيهامات تلصصية أو تخييلية…