الأحدث

من يجب أن يفرض التأشيرة على الآخر ،نحن أم دول الاتحاد الأوروبي ؟

هالة انفو/ بقلم عبد العزيز حيون

في اعتقادي لقد آن الأوان أن يبادر المغرب الى فرض التأشيرة على مواطني الاتحاد الأوروبي كقرار سيادي قد يفيد المغرب في الجانب الأمني وأيضا في الجانبين الاقتصادي والسياسي ،وأساسا لرد الاعتبار للمواطن المغربي الذي يعاني الأمرين للحصول على فيزا المنتظم ،الذي يعد المغرب “شريكا أساسيا واستراتيجيا ” له .
إذا تحدثنا عن الجانب الأمني ،فقد لاحظ الجميع أنه في الآونة الأخيرة ألقت السلطات المغربية القبض على كثير من الأوروبيين المجرمين الذين فروا من عدالة والتدقيق الجنائي للاتحاد الأوروبي ،ولولا يقظة أجهزتنا الأمنية لأصبح المغرب مرتعا ومخبأ لهذا النوع من البشر الذي ربما يعتقد في قرارة النفس أن المملكة مستباحة للتواري عن الأنظار والعيش بعيدا عن أعين الشرطة ،كما أن هناك بعض السياسيين الأوروبيين ،خاصة منهم الشرذمة القليلة من الإسبان التي تكن العداء للمغرب ،يحاولون التشويش على المملكة في قضية الوحدة الترابية والقيام بزيارات مريبة ومستفزة لجنوب المملكة ،وهم يسيئون بذلك لبلدهم أولا ،والذي أعلن جهرا ورسميا عن موقفه الذي أقر بمغربية الصحراء مع تصاعد الدعم الدولي لمغربية الصحراء خصوصا من طرف الدول النافذة .
أما إذا تحدثنا عن الجانب الاقتصادي فلا فائدة من 95 غالبية السياح الأوروبيين ، وأغلبهم من المتقاعدين ، الذين يزورون المغرب باستمرار هربا من غلاء المعيشة في القارة العجوز وللاستمتاع بطبيعته الخلابة وطقسه الدافئ و الرخاء السائد نسبيا واستقرار المغرب وأمنه ،وهم يتجولون بالمغرب ،طولا وعرضا ،بمقطورات السفر القديمة والمهترئة والمتآكلة تلوث الهواء ،و التي يركونونها في أماكن وفضاءات مجانية ،ويقتنون الحد الأدنى من المواد الغذائية بالأسواق النائية .
بل هناك من هذا النوع من السياح من يتبضع في أسواق رخيصة (سبتة مثالا ) قبل الدخول الى المغرب عبر الحدود الوهمية ،ويلقون كل الترحيب في المغرب ، الذي تغلب بعض مؤسساته جانب الكم في استقطاب السياح على الكيف قبل التفكير في نوعية السياح الذين يجب تشجيعهم على زيارة المغرب واستقطباهم ،عكس الكثير من الدول السياحية المرجعية في العالم التي تعلي من سقف المنتوج السياحي المعروض للمحافظة على قيمة الوجهة وسمعتها في العالم ، الذي يشهد منافسة شديدة .
كما أننا غالبا ما نصادف هذا النوع من السياح في المطاعم والمحلبات الرخيصة في الدروب الضيقة والخلفية للمدن المغربية العتيقة والأحياء الهامشية ،ولا نصادفهم ،منذ وقت طويل ، وهم يشترون منتوجات الصناعة التقليدية الجميلة ، وأفضلهم يقتني تذكارات بسيطة لا تتعدى 15 درهم ويقوم بجولات سياحية مجانية في أرض المغرب الواسعة.
وناذرا ما نراهم يتجولون في أروقة المتاحف التي تفرض واجب الولوج أو يجلسون بمقاهي أو بمطاعم رفيعة ويتبضعون من المتاجر الفاخرة ،كما يفعل المغاربة عادة في زياراتهم الخارجية .
وفي المقابل ، يعاني آلاف المغاربة سنويا من عدم الحصول على التأشيرات الأوروبية دون مبرر قانوني أو تعليل معقول ،وقد يخضع الأمر في أحيان كثيرة لمزاج موظفي القنصليات المعنية ،فيما يلقى السائحون الأوروبيون كل الترحاب والتقدير وحسن الاستقبال ،وهم في الغالب من ذوي الدخل المحدود .
والأمر لا يتعلق بالمواطنين المغاربة الذين يبحثون عن مستقبل أفضل وعن الإستقرار بأوروبا لأهداف شخصية ولهم الحق في ذلك وفق المبادئ العالمية الأساسية لحقوق الإنسان ،بل هناك رجال أعمال وبعض الفنانين وطلبة ومرضى يبحثون عن تطبيب أفضل بمقابل مادي كبير وموظفون وصحافيون وسياح “حقيقيون” لهم إمكانيات محترمة تفوق بكثير سياح أوروبا .
والأوروبيون هم من يستفيد من التدفقات السياحية للمغاربة والإقبال على شواطئ إسبانيا الجميلة والفسيحة والمدن التاريخية ،خاصة خلال فصل الصيف والعطل المدرسية ،أكثر من استفادة المغرب من “تدفقات” السياح الأوروبيين ، والكل يعرف أن السائح المغربي معروف بالاستهلاك السخي وكثرة النفقات .
وأنا شخصيا ،كما غالبية المغاربة بدون أدنى شك ، نشاطر رأي مستشارين من البرلمان المغربي ، الذين أثارا ،بداية الشهر الجاري ، مقترح فرض التأشيرة على مواطني الدول الأوروبية لدخول المغرب في إطار سياسة “المعاملة بالمثل” .
وأشار المستشاران الى أن العديد من البلدان الأوروبية تحقق مداخيل كبيرة من خلال التأشيرات المفروضة على المغاربة، في وقت تسمح بلادنا لمواطني هذه الدول بالولوج إلى المملكة دون تأشيرة ، والخطير في الأمر أن الكثير من طالبي التأشيرة المغاربة لا ترجع إليهم أموالهم في حالة رفض الطلب ،ويستعمل جزء من هذه المداخيل في تغطية مصاريف التمثيليات الدبلوماسية الأوروبية والجزء الآخر يوضع في خزينات الدول المعنية .
ولكل هذه الاسباب حان الوقت لنفرض إتاوات على المقطورات السياحية التي لا يستفيد منها حتى أصحاب “الجيليات الصفراء ” ،فما بالك ببنيات الاستقبال المصنفة وغير المصنفة ودور الضيافة ،كما حان الوقت أن نفرض نحن أيضا التأشيرة على مواطني الإتحاد الأوروبي بمقابل مادي في إطار التعامل بالمثل السيادي المبدئي وتوفير مدخول لخزينة المغرب ،خاصة وأنه قبل أيام فرض الاتحاد الأوروبي ،على سبيل المثال ، رسومات على صادرات المغرب من إطارات السيارات دون اعتبار لا لجودة العلاقات البينية وللمصالح الاقتصادية المشتركة ،ولا يهم الاتحاد إلا مصالحه الخاصة الضيقة ، فلماذا لا نعطي الأولوية نحن أيضا لمصالحنا ؟.
أما القول بأن فرض التأشيرة على مواطني أوروبا لا يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للمغرب في تطوير القطاع السياحي وتعزيز مكانته كوجهة سياحية ،فهي وجهة نظر غير صحيحة ،وكان حريا بالمغرب أن يشجع السياحة الداخلية لأن عائداتها ستكون حتما أفضل من عائدات السياح الأوروبيين من درجة ثانية أو أقل .
ولا بد من التذكير هنا باجتماع عقده مسؤولو المغرب والاتحاد الأوروبي سنة 2015 لبحث امكانية رفع التاشيرة عن المغاربة والتوصل إلى اتفاق لتسهيل منح التأشيرات للمواطنين المغاربة الذين يرغبون في التوجه نحو أوروبا، في أفق الانتقال على المدى البعيد إلى حركية تامة للمواطنين المغاربة دون تأشيرات.
مع العلم أن المغرب والاتحاد الأوروبي كانا قد وقعا في يونيو من سنة 2013 بلوكسمبورغ شراكة جديدة من أجل تدبير أفضل للحركية والهجرة، ، وهو ما كان يؤمل منه “تمهيد الطريق لتعاون طويل ووثيق في مجال الهجرة وتدبير تنقل الأشخاص”، في أفق التوقيع على اتفاق لتسهيل منح التأشيرات، الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي “عنصرا مساعدا” لتعزيز التدفقات البشرية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وكان من المتوقع أن يشمل هذا الإجراء في مرحلة أولى الطلبة والباحثين ورجال الأعمال في أفق التحرير الشامل لمنح التأشيرات.
وسبق للرئيس السابق للمفوضية الأوروبية البرتغالي خوصي مانويل باروزو، أن أبرز أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه إلا أن يدعم تطور الحركية الشاملة للمواطنين المغاربة بدون تأشيرة “أخذا بعين الاعتبار العلاقات الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، مع ضمان شروط حركية آمنة يتم تدبيرها بشكل جيد”.
وقبل متم سنة 2024 الماضية وفي انتظار إصدار التأشيرة الإلكترونية، أعفى الاتحاد الأوروبي مواطني 60 دولة من التأشيرة ،بما فيها بريطانيا و الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة واليابان وأستراليا،من تأشيرات الدخول لمنطقة اليورو مقابل تأدية رسوم لن تتجاوز 7 يورو (80 درهم) ،بطبيعة الحال القرار لا يشمل المواطنين المغاربة .
وفي أفق تنظيم كأس العالم المشتركة بين المغرب وإسبانيا والبرتغال ،هناك من يقترح ،ضمن الخيارات المطروحة، اعتماد نظام “بطاقة المشجع” حتى يكون بإمكان المغاربة حضور بعض مباريات كأس العالم في شبه الجزيرة الإيبرية ، وهي البطاقة التي سبق استخدامها في مونديال روسيا 2018 وقطر 2022.
وعلى ذكر مونديالي قطر وروسيا ،الذين شهدا حضورا حاشدا للمشجعين المغاربة ، وقد كنت ضمن فريق وكالة المغرب العربي للأنباء الذي غطى الحدث بروسيا ، لم نسمع أن مشجعا مغربيا توارى عن الأنظار بخلفية الهجرة السرية ،فالكل عاد الى بلده سالما غانما .
وتبقى التبريرات التي تتحجج وتتذرع بها دول الاتحاد الأوروبي بفرض التأشيرة على المواطنين المغاربة واهية ولا تعكس بالمرة طبيعة العلاقة بين الجانبين وغير منطقية مع تعزيزهما أواصر التعاون الأمني ، مع العلم أن المغرب يحتل مرتبة جيدة في مؤشر الأمن والآمان ،وفق مؤشرات يعتد بها كشف عنها منتدى الاقتصاد العالمي.