الأحدث

حظر الهواتف المحمولة بالمدارس للحد من التنمر الإلكتروني

هالة أنفو/ بقلم عبد العزيز حيون

أصدرت وزارة التعليم قرارا يقضي بحظر الهواتف المحمولة وباقي الأجهزة الرقمية المحمولة ،مثل الساعات الذكية والأجهزة اللوحية ، بكل المؤسسات التعليمية للحد من “التنمر الإلكتروني ” وضمان تركيز المتمدرسين على الدراسة والتحصيل .
كما قررت وزارة التعليم محاسبة أولياء أمور التلاميذ ومتابعتهم قانونيا إن تأكد أنهم لم يراقبوا أبناءهم مافيه الكفاية ويمنعوهم من حمل الهواتف الذكية وباقي الأجهزة الأخرى المعنية ،وقد يصل الأمر الى سلب الحرية لمدة محددة ،على اعتبار أن هذه الأجهزة ، من منظور تربوي صارم ،تهدد سلامة الناشئة وتوازنهم العقلي وتعيقهم في التحصيل المعرفي والعلمي وتعيق نموهم الطبيعي .
بل أكثر من ذلك سيعطي القانون الحق للقضاء بأن يسحب من الآباء المهملين حقوق الأبوة وتجريدهم من الولاية على أبنائهم واسقاطها لمدة محددة ،مع إخضاع الآباء المعنيين لتكوين خاص تمتد مدته حسب “حجم الخطأ” المرتكب.
بطبيعة الحال القرار الوزاري لا يهم المغرب ،بل يهم دولة ألمانيا ،الدولة المرجعية في مجال التربية والتدريس، وقد مهدت له الوزارة الألمانية عبر مراحل وبالتدريج ،انطلقت بداية من تنزيله على مستوى الولايات الألمانية Länder ،التي تحتفظ بقدر من السيادة والإدارة الذاتية وفقا للدستور الألماني (القانون الأساسي (Grundgesetz)) ،قبل أن يتم تعميم القرار وتنفيذه في غشت القادم ،شهر انطلاق الموسم الدراسي الجديد .
والقرار الصارم احتدم النقاش حوله منذ سنوات ،كما هو الحال عالميا ،قبل أن ترى الحكومة المركزية الألمانية أنه ،و”لانقاذ الأجيال الصاعدة ” و”الحد من الإدمان على الأجهزة الرقمية بكل أشكالها” ،ينبغي تقييد الاستخدام من قبل الأطفال واليافعين على حد سواء داخل محيط البنيات التعليمية وفي محيطها (المكتبات والفضاءات الرياضية والثقافية ).
ومقابل هذا القرار الحاسم ، سمحت ألمانيا ، المتكونة من 16 ولاية والدولة التي تجمع بين عراقة التاريخ وحيوية الحاضر بانسيابية ، من استخدام الهواتف المحمولة في الفصول الدراسية ،إذا وافق المعلمون أو إدارة المدارس على ذلك في حالة اذا كانت “الضرورة التعليمية تفرض ذلك ” .
كما أنه لا ينبغي السماح باستخدام الهاتف المحمول الخاص في المدارس إلا ك”استثناء مبرر”، على سبيل المثال ،في حالات الطوارئ أو لأسباب طبية ،وشددت الحكومة الألمانية في هذا السياق على أنه ” ليس هناك وقت لتضييعه، خدمة للمجتمع وأجياله القادمة” ويستوجب الأمر التفعيل الاستثنائي .
ومن التجارب الألمانية الناجحة ، تجربة ولاية بافاريا ، التي وضعت منذ سنة 2022 قواعد “صارمة جدا وغير قابلة للتليين والمراجعة “في المدارس ،سارت على منوالها ولاية بادن فورتمبرغ ،ووضعت حظرا صارما على الهواتف الذكية والأجهزة المماثلة مع تخفيف بعض القيود على المؤسسات التعليمية الثانوية إن كان ذلك يخدم “المصلحة البيداغوجية”.
ومن التبريرات “المنطقية والمقنعة “التي اعتمدتها الحكومة الألمانية دائما ، كون استعمال الشاشات يفقد التركيز ويشوش على القدرة على التعلم و يقوض الصحة العقلية، محذرة في ذات الوقت من أن هذه التجهيزات قد تكون مرتعا للممارسات اللاأخلاقية والأفعال المشينة وغير اللائقة ومسيئة وعدوانية واحتقارية وبروز ظاهرة “التنمر الإلكتروني”.
فمنذ الخريف الماضي ، وفي إطار قرار تجريبي ، لا يسمح للتلاميذ من الصف الخامس إلى السابع، باستخدام الهواتف المحمولة، سواء للأغراض الخاصة أو التعليمية. وفي المستويات اللاحقة، يجوز للتلاميذ استخدام الأجهزة في الفصل لتدوين الملاحظات، بموافقة المعلم. كما لا يُسمح باستخدام الهواتف الذكية لأغراض شخصية إلا في مقاصف المدارس، حتى بالنسبة للمستويات الأعلى . وينطبق المنع على كل “الأجهزة الإلكترونية”.
وأعطى القرار الجديد ،الذي تأسست بموجبه قواعد وطنية ،للمعلمين الحق في مصادرة الأجهزة الإلكترونية المعنية .
في بلدان أوروبية أخرى، تقرر حظر الهواتف الذكية في الحياة المدرسية بشكل صارم ومنحت صلاحيات واسعة لتنزيل القرار لإداريي المؤسسات التعليمية وللمدرسين ، كما هو الأمر في إيطاليا والدنمارك والنمسا وهولندا واليونان .
والى أن يتقرر لدينا رسميا حظر الأجهزة الإلكترونية المعنية بشكل نهائي ، نتمنى أن يبادر الآباء الى حماية فلذات أكبادهم من بطش هذه “التكنولوجيات الحديثة ” التي سيطرت على عقول الكبار كما الصغار ،والتي لها وجه مظلم ويؤدي استخدامها المفرط وغير المعقلن إلى تغييرات في العقل والجسد ويسبب الخلل في التواصل الأسري والاجتماعي .