المضيق..حين يبنى الوهم فوق الملك المشترك

هالة انفو.

في أحد زوايا مدينة المضيق التي لا تزال تكتب حكاياتها على إيقاع العمران والتحولات، طفت إلى السطح قصة تثير أسئلة عميقة حول آليات التدبير العمراني ومرونة الوثائق الإدارية أمام ضغوط المصالح. ليست مجرد بناية من إسمنت وحديد، بل حالة تمثل ما يمكن أن يحدث حين تغيب الصرامة وتغلف المساطر بغلالة الغموض.

في السادس من دجنبر 2016، تقدمت شركة مختصة في الإنعاش العقاري بطلب إلى جماعة المضيق لإدخال تغييرات على بناية قائمة داخل المركب السياحي “ألمينا”، وتحديدًا Bloc B، المكون من 12 شقة. في صباح اليوم التالي، وتحديدًا يوم الأربعاء 7 دجنبر، كان القرار عدد 89 قد وُقع من طرف رئيس الجماعة آنذاك، ليتحول الطلب البسيط إلى رخصة بناء لبناية جديدة بالكامل، سميت Bloc B aile gauche، مكونة من 6 شقق.

هذه السرعة اللافتة في التحول من طلب بسيط إلى رخصة كاملة، خلال أقل من 16 ساعة، فتحت باب التأويل والشك، خاصة أن البناية الجديدة لم تكن ضمن التصاميم الأصلية المعتمدة للمركب، ولا في دفتر تحملاته الذي يفترض أن يكون ملزما لجميع الأطراف.

استعملت الرخصة الجديدة كأرضية لإطلاق أشغال البناء في سنة 2017، فوق جزء من الملك المشترك الذي كان يستعمل كموقف سيارات من طرف سكان المركب، دون أن يسجل أي تغيير في التصاميم الأصلية أو يعاد النظر في دفتر التحملات. ورغم اعتراضات السكان وإشعار السلطات، استمرت الأشغال، مستندة إلى وثائق إدارية تم توظيفها بطرق تبقى بحاجة إلى تمحيص دقيق.

لاحقا، وضعت اليد على وثائق تثبت صدور سندات ملكية مشتركة للبناية الجديدة، رغم أن الأرض التي أقيمت عليها تندرج ضمن الملك الجماعي للمركب، الأمر الذي يدعو للتساؤل عن المعايير التي تم اعتمادها في تسليم تلك السندات، خاصة أنها تحمل ملاحظة مثيرة للانتباه تشير إلى إمكانية إلغاء العقار تنفيذا لأي حكم قضائي مستقبلي.

بعد سنوات من محاضر المخالفات والتقارير الميدانية، بدأت السلطات المحلية في اتخاذ خطوات حاسمة، توجت أخيرا بتنفيذ قرار الهدم بعد صدور حكم قضائي نهائي يقضي بإزالة البناية المخالفة. العملية شملت إفراغ الشقق من قاطنيها، وهدم ما تم تشييده فوق الملك المشترك، في خطوة اعتبرت تصحيحا لوضعية عمرانية غير سليمة.

وفي سياق تطورات هذا الملف، تم إصدار مذكرة بحث على الصعيد الوطني في حق صاحب الشركة، المدعو “م.غ”، الذي أصبح موضوع مساءلة قانونية بشأن ظروف تشييد هذه البناية والوثائق المعتمدة في عملية البناء والتحفيظ، وذلك حسب ما أفادت به مصادر عليمة ومطلعة على الملف، وهو ما يفتح الباب أمام تطور جديد قد يحمل إجابات منتظرة عن الأسئلة العالقة.

رغم أن عملية الهدم أنهت فصلا من فصول هذه القضية، إلا أن الأسئلة الكبرى ما زالت مطروحة: كيف تحولت وثيقة بسيطة إلى رخصة بناء كاملة؟ من سمح بإنجاز سندات الملكية فوق ملك مشترك؟ وما مدى احترام المساطر القانونية في كل هذا المسار الذي امتد لسبع سنوات؟

تطلع السكان اليوم لا يقتصر على تنفيذ القانون في جانبه الميداني، بل يمتد ليشمل مساءلة إدارية معمقة تعيد الثقة في منظومة التعمير، وتمنع تكرار سيناريوهات مشابهة في المستقبل.

فالقانون ليس فقط أداة للهدم أو البناء، بل هو أيضا آلية لضمان الإنصاف، والإنصاف لا يكتمل إلا حين يراجع المسار من البداية، لا فقط حين يصل إلى النهاية.

وتجدر الإشارة إلى أن المتضررين، أصحاب البناية، لهم رواية أخرى، حيث يؤكدون أن عملية البناء تمت في إطار القانون، وأنهم يتوفرون على حكم نهائي سابق صدر لصالح مالك العمارة.