من خلال بعض المعلومات، وما أعرفه شخصيا عن نجيب محفوظ أنه لم يكتب سيناريو لفيلم من الأفلام عن رواياته. ولأجل الفهم وحده، أحاول أن أعود إلى الوراء، والأمر يتعلق ها هنا بسنوات مضت، وأطرح السؤال الآتي: كيف جاء نجيب محفوظ لكتابة السيناريو؟ كان نجيب محفوظ قد كتب بعض الروايات التاريخية، وهذا أمر يعرفه الجميع، ولم يكن معروفا بالشكل الكافي وقتذاك، إلى أن تعرف على المخرج صلاح أبو سيف، وبفضل صلاح أبوسيف بدأ نجيب محفوظ يكتب السيناريو، وهو أمر ليس بالبسيط، فكتابة السيناريو تتطلب ليس المهارة وحدها، ولكن أيضا المعرفة، وآليات الاشتغال السينمائي، وكان العمل مع صلاح أبوسيف في كتابة السيناريو نقلة نوعية في السينما المصرية، فصلاح أبوسيف قام بعمل خطير في السينما المصرية، إذ استطاع أن ينزلها من السماء إلى الأرض، بمعنى أنه قام بتغييره للوجه السينمائي بنقله من تصويره للطبقات السائدة وقتذاك إلى الطبقات العامة: الشعبية. وسنشاهد ذلك خصيصا في فيلم ” العزيمة” لكمال سليم الذي اختار صلاح أبوسيف مساعد مخرج له. هكذا سيقع تحول شكلاني ودلالي في السينما المصرية، وسيصبح للناس العاديين صوت في السينما بعد أن كانوا مهمشين ومستبعدين. لم يكن صلاح أبوسيف مدافعا عن الواقعية، أو مؤسسا للواقعية، لأن هذه لها حمولة تاريخية، وإنما كان صانع الرموز والعلامات في أفلامه. إن فضله على نجيب محفوظ كان كبيرا، حيث أضحت روايات نجيب محفوظ تجعل من الحارة أحد العلامات الكبرى في رواياته، ومثل هذه الحارة هي التي شاهدناها لأول مرة في فيلم ” العزيمة” لكمال سليم.
لقد رفض نجيب محفوظ أن يكتب سيناريوهات لأفلام مأخوذة عن رواياته ليس لأنه كان يخاف على جمله من التلف، ولكن لأنه لم يتصور أن يعيد كتابتها بشكل الصورة، التي هي من صميم العمل الروائي لنجيب محفوظ، ولهذا كان صلاح أبوسيف قادرا على إخراج أفلام سينمائية مأخوذة عن رواياته نجيب محفوظ، أولا، لأن معرفته بهذا العالم الروائي كان أقرب إلى رؤيته للعالم في ازدواجيته: تخييليا و حياتيا، وثانيا، لأن معرفته بكتابة فن السيناريو والإخراج السينمائي كان ينم عن معرفة تعلمها من دراساته بفرنسا وإيطاليا، إضافة إلى عمق رؤيته للذات وللعالم وللإنسان بداخله في ذلك الزمن.