إن كتابة رواية ليس بالأمر الهين، بمعنى الكتابة التي تستدعي الفكرة فقط، هذه الفكرة التي قد تختمر في الذهن ليست كافية. كما أن الكتابة لاتأتي من الإلهام. إن حقيقة الرواية هي في الكذب، بمعنى أن الروائي كاذب. إنه خالق لعالم، لكن هذا العالم ليس هو العالم المرئي والمحسوس، ليس هو الواقع في لانهائيته، وإنما واقع الشخوص والأمكنة والأزمنة، حيث ليست هذه الشخوص والأمكنة والأزمنة إلا علامات. ليست الأسماء والمدن والشوارع، مثلا، في الرواية، حتى وإن كانت معروفة عند بعض قرائها هي ذاتها، إنها ترميز فحسب، زد على أنها تلمح لشيء في العالم الروائي الذي ليس إلا بنية.
إن الرواية تقول العالم، ولكنها لاتحدده إلا تلميحيا وترميزيا من خلال أسلوب الكاتب أو الروائي، وهذا الأسلوب هو الكتابة كما عرفه رولان بارت في كتاباته.
وإذن، كيف نتعرف على الكاتب داخل الرواية!؟… إنه أمر صعب وإشكالي في الوقت ذاته. يمكن التعرف عليه من خلال بعض العبارات، والجمل، وبعض الإشارات، أو من خلال إقحام لذاتيته، بوعي أو لاوعي، من خلال النقد الذي يقوم به أثناء كتابة الرواية. هكذا، يتحول الكاتب إلى ناقد.
يظن البعض أن الروائي يضع خطاطة لسيرورته، هذا أمر قد يصنعه بعض الكتاب، ولكنهم يتغافلون عن شيء صادم يسمى بالصيرورة.
أصل الآن إلى الأهم: ماالذي، يجعل الرواية تعيش، برغم التكرار!؟… هل هو السرد والوصف والمحكي؟… هل هو الحكي…( إحكي ياشهرزاد وإلا قتلتك). تذكروا هذا جيدا. هل هو ضرورة قراءة حكاية؟… لماذا نقرأ ( ليس الجميع، لأن الأمر يتعلق بإشكالية القراءة في الوقت الراهن، وليس الكتابة فحسب) حتى اليوم بروست وبلزاك وزولا وفلوبير و كامو ودوستويفسكي ونجيب محفوظ ومحمد شكري وغيرهم!؟…
إن مايجعلنا نقرأ لهم، وهذا رأي نود من المهتمين مناقشته، هو الفراغ الروائي، فلا شيء في الرواية ممتلئ. كما هي الذات، التي هي فارغة، وغير ممتلئة. وهذا الفراغ الروائي كل واحد يملأه بتخيلاته، ومن هنا، تغدو الرواية شأنها شأن صورة طائر الفينيق الذي يثبت الموت رمزيا وكأنه لحظة الحياة الأكثر خلوصا كما كتب رولان بارت في مقالته” تاسيت والباروكية المتشائمة”.