فيلم “الغريب” للمخرج أمير فخر الدين في مهرجان تطوان السينمائي: البحث عن وطن سحري
هالة انفو: يوسف خليل السباعي
هل كان لنا أن ننتظر كل تلك اللقطات والمشاهد السينمائية لفيلم “الغريب” للمخرج أمير فخر الدين لنصل في الدقائق الأخير لنهاية الفيلم إلى أن نسمع عصارته في الصوت الداخلي لشخصيته الرئيسية عدنان ( تمثيل احترافي لأشرف برهوم) وهو يكشف عنها من خلال نص إلى ليلى. لنقرأ هذا النص بعد ما شاهدنا الفيلم وسمعناه مساء اليوم ونحن نشاهد فيلم ” الغريب” في سينما أبنيدا خلال فعاليات مهرجان تطوان السينمائي في دورته الحالية:
“لا تحزني يا ليلى على غيابي،
فما زلت هنا،
أنا غريب عن هذا العالم،
والغربة وحشة قاسية،
لكنها تجعلني أفكر بوطن سحريٍ لا أعرفه.
لا أدري لم كل هذه القسوة يا ليلى،
وكيف تفتقد بعض القلوب إلى الرحمة؟
لم أعد متأكداً من شيء،
لم أعد أثق بأحد،
هل كان من الأجدر أن نرضى بلقمة صغيرة ونزهة كئيبة في هذه الدنيا؟
*
لم يعد لنا وجوه،
حاولنا رسم بعض الملامح لوجودنا،
قد تثمر غراسنا يوماً.
*
ألا تخشين أن تفقد شجرة التفاح طعمتها إن نمت في غير تربتها؟
*
قلب السجين قد يقوى على قلب سجانه،
إذاً، كيف نخاف الموت ونحن لم نحيَ بعد؟”
لقد استخدم هذا الفيلم كل ميكانيزمات السينما من خلال جعلها تتنفس بعيدا عن الهرج والمرج السينمائي المتكرر، ففيلم ” الغريب” يسرد قصة رجل بمنطقة الجولان الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي يعاني من أزمة وجودية، حيث يأتي من الغربة إلى وطنه حيث اختار أن يكون بعيدا عن أهله.
إن فيلم ” الغريب” لايسرد قصة فقط، وإنما يجعل من اللغة السينمائية واقعا حركيا، حيث لا تكون الأشياء إلا استعارة. المخرج أمير فخر الدين حاول أن يمزج في عمله بين ماهو أدبي وسينمائي، جاعلا الأشياء تتكلم لوحدها عن طريق الاستعارة: المنطقة السكنية في الجولان، الشجرة، البقرة، البيت.
لم يتوقف المخرج عند الصراع بين الأجيال: الأب والإبن والطفلة أو فكرة زوجته بالهجرة التي يرفضها بعد أن فشل في استكمال دراسته بالطب في موسكو وعودته، أو حرمانه من الإرث من طرف الأب الذي كان ينظر إليه بكونه لم يكن عند حسن ظنه أو فاشلا، لكنه استطاع أن يقدم في الفيلم غريبا آخر جريح، له قصة أقرب إلى قصة عدنان، الذي قدم له المساعدة، فعدنان ليس شخصية وجودية سلبية، وإنما هو يقدم المساعدة لغريب جريح سيموت في بيته، وهو مالم يتفهمه رفاقه والآخرون. هذه المساعدة هي نقطة الضوء في الفيلم التي تبرز شخصية عدنان على حقيقتها.
إن عدنان الغريب لايرفض وطنه، وإنما يبحث عن وطن سحري في نص سينمائي يكشف عن لغة سينمائية ساحرة ورؤية مخرج محترف حاول أن يجعل من الاستعارة السينمائية وجها آخر للفيلم وذلك لإعطاء تنفسا جديدا للسينما.