إن قضية موت المؤلف التي أثارت ضجة حين طرحها رولان بارت تجعلنا نفكر فيها بشكل حقيقي.
بداهة، نعرف أن رولان بارت كان يرغب في تشكيل ” نظرية للقارئ”… إلا أنه من الصعب ذلك. لماذا؟… لأن تشكيل “نظرية للقارئ”، يستدعي تصورا قابلا للإدراك: من هو القارئ؟… إن عملية إدراك من هو القارئ ضرب من المستحيل، لأن الكاتب نفسه لا يعرف من هو القارئ، ولكنه يراهن عليه. ومع ذلك لا يمكن نفي وجود قارئ ما في عملية الكتابة ذاتها.
إن قضية القراءة مبهمة وملتبسة وغامضة، ومع ذلك ليست نفي، وإنما غياب. ثم، ليست هناك القراءة وإنما النقد الذي يعتمد في الجوهر على القراءة، لأن الناقد/ القارئ، أصلا، يستخدم طرائق الكتابة، لكن بشكل مختلف عن الكاتب.
إن ما يجعل الأدب مستمرا، هو هذا الربط بين جسد الكاتب وجسد القارئ، كنا نعرفه أم لا…، وهكذا تعيد القراءة خلق كتابة جديدة من الداخل. ليس ثمة من حل سوى أن يتحول الناقد إلى كاتب، أما القارئ، فهو الذي تكون له علاقة سرية بنص الكاتب.
إن ما يتبقى لنا من كل هذا الاهتزاز المعرفي والأدبي هو قضية موت المؤلف. هل مات المؤلف فعلا كما كتب رولان بارت ذات مرحلة انقضت، انطلاقا من استدعاء ذلك كله من ما كان يطلق عليه الشاعر الفذ مالارمي” السيد”؟… إن القضية مركبة، وتستدعي دراسات مستفيضة، ولكن ما يمكن لنا قوله أن المؤلف هو تلك الآلة التي تعمل في الخفاء تاركة للذات المنشطرة أن تكتب، لأن هذه الذات فارغة. تاركة لعملية السرد والتعريف والوصف أن تتحرك في الصفحة البيضاء بطريقتها من خلال “الأسلوب” وجاعلة من القارئ أوالناقد مشروع حرية، لامتلقيا سلبيا، وإنما خالقا لشيء آخر.