مهنة “الدقاق” تقاوم الأفول في تطوان

أيوب صدور / هسبريس

ماضية نحو الزوال، توارت مظاهر عديدة كانت تؤثث المشهد الرمضاني وسط دروب وأزقة المدينة العتيقة بتطوان، ولعل مهنة “الدقاق” واحدة من هاته الفسيفساء التي كان لا يخلو منها أي حي شعبي بـ”الحمامة البيضاء” خلال الشهر الفضيل.

شكل “الدقاق” على مر عقود خلت طقسا اجتماعيا يميز أجواء رمضان بتطوان، يحظى برمزية كبيرة لما يمثله من دلالات ثقافية واجتماعية، تتلخص في قرع أبواب النيام إيذانا بحلول موعد السحور، في تقليد سنوي حتى وإن خفت وهجه بالمقارنة مع سنوات الماضي.

يعرف “جمال. س”، من أبناء المدينة، “الدقاق” بكونه ذاك الشخص المواظب على المجيء في التوقيت نفسه طيلة الشهر الكريم، حاملا عصا من جذع شجرة، شارعا في طرق الأبواب لإيقاظ النيام من أجل تناول وجبة السحور وأداء صلاة الصبح، دون ملل أو كلل.

وأورد المتحدث نفسه أن “دقاق الحومة” كان يردد لازمة خلال مروره: “قوموا تسحروا.. اعباد الله (..)”، هذا قبل أن يعمد إلى قرع الأبواب دقات محسوبة يكررها بنفس الطريقة والعدد بتوالي الأيام والليالي إلى غاية نهاية شهر الصيام.

وشدد المصدر ذاته على أن مختلف الأحياء الشعبية بالمدينة الشمالية ألفت حضور تلك المشاهد المرتبطة بالهوية والثقافة التطوانية الأصيلة، مرجعا أسباب خفوت هذا التقليد الرمضاني إلى عدة عوامل، ترجع بالأساس إلى تغير ظروف عيش الناس، والتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، وفي مقدمتها غزو الهاتف المحمول لمختلف البيوت؛ إلى جانب أسباب أخرى يبقى أبرزها قلة عائدات هذا النشاط الرمضاني، وعدم اهتمام الناس بهذا الموروث، ليصير “الدقاق” عالة على نفسه وتتلاشى رويدا رويدا وظائفه بعد أن أصبح المواطن يمتلك بدائل تمكنه من الاستيقاظ.

وأضاف المتحدث ذاته أنه “إذا كانت مهنة ‘الدقاق’ توارت عن الأنظار فإن مدينة تطوان مازالت محافظة على طقس آخر هو مهنة الطبال، الذي حل من بعده للقيام بهذه المهمة، إلى جانب استمرار عزف ‘الغيطة’ من فوق مآذن بعض الجوامع مباشرة بعد انتهاء صلاة التراويح”.

من جانبه قال آدم أفيلال، من أبناء المدينة، إن حرفة “الدقاق” تمثل جزءا هاما من ذاكرة رمضان، نظرا لارتباط هذا الطقس الرمضاني بحياة أغلب الأسر والعائلات بالأحياء العتيقة؛ “فإلى جانب الوظيفة الأساسية التي يؤديها بخفة وحماس وترديد العبارات نفسها فقد شكلت هذه المهنة قطعة فريدة من الفسيفساء المكون لمعالم المدينة العتيقة المتميزة بدروبها الضيقة”.

وأضاف أفيلال، لهسبريس، أن “مهنة ‘الدقاق’ مازالت مستمرة، خاصة على مستوى حي سانية الرمل وبعض الأحياء الشعبية، رغم التغيير الذي طال شكلها، بعدما كان ممتهن هذه الحرفة يجول حاملا عصا ويطرق الأبواب، وأما اليوم فعوضه بشكل أو بآخر الطبال في القيام بهذه المهمة”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “مردود هذا النشاط الموسمي كان يتلقاه ‘الدقاق’ من سكان الحي الذي كان يرتاده نقدا أو عينا، أو عبارة عن هدايا وهبات، على شكل ملابس له ولأبنائه صبيحة يوم عيد الفطر”.