أعطى البنك الدولي، بتعاون مع وزارة الاقتصاد والمالية وجامعة عبد المالك السعدي، امس الأربعاء بطنجة، انطلاقة التقديم الوطني لتقريره لسنة 2023 حول “التنمية في العالم : المهاجرون واللاجئون والمجتمعات”.
ويندرج اللقاء، الذي حضرته مجموعة من الخبراء رفيعي المستوى والأكاديميين ومسؤولين مؤسساتيين وممثلي منظمات غير حكومية وطلبة، ضمن سلسلة من اللقاءات المنظمة في إطار التحضير لعقد الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي ستنعقد بمراكش في أكتوبر المقبل.
وشكل اللقاء مناسبة للتطرق إلى التحديات والفرص بالنسبة للمهاجرين ومجتمعات بلدان الأصل والاستقبال، وكذا الإمكانات المتاحة لجعل تجربة الهجرة مفيدة لكل الأطراف، لاسيما في حالة المغرب.
في كلمة بهذه المناسبة، أكد رئيس جامعة عبد المالك السعدي، بوشتى المومني، أن اختيار طنجة لاحتضان هذا الحدث يدل على الدور المحوري للمملكة المغربية، التي تواصل الاضطلاع بدورها كبلد قادر على تدبير دينامية الهجرة على عدة مستويات، عبر سن سياسات فعالة استنادا على الحكمة المطلوبة لإعادة تعريف حركات الهجرة بالعالم، واعتبارها فرصا لبلدان العبور والاستقبال.
وذكر السيد المومني أن عددا من الاقتصادات الأكثر ازدهارا بالعالم اليوم تطورت بفضل حركات الهجرة وأبانت عن أن المهاجرين قد يشكلون قوى محركة لإحداث الثروة والفرص، لافتا إلى أن الحدث يشكل مناسبة للتطرق إلى القضايا الرئيسية المرتبطة بمختلف العوامل المؤثرة في سياق الهجرة العالمية، في وقت يبدو فيه أن العالم يعاني بشكل دائم من أحداث مؤقتة أو دائمة تنتج عنها أزمات سياسية وعسكرية إلى جانب التغيرات المناخية.
وأكد أن مثل هذه اللقاءات تمكن، دون شك، من الوقوف على الضرورة الملحة للتطرق إلى الهجرة من حيث الاستراتيجيات الجديدة التي تمكن من ترسيخ القيم الكونية وضمان الرخاء والسلم على الصعيد الدولي.
من جهته، اعتبر كي توان دو، كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي وأحد معدي التقرير، أن هذه الوثيقة تروم استعراض الواقع الحالي للحركية على الصعيد الدولي، والإشارة إلى نتائج التحولات الديموغرافية على التنافس العالمي، وتأثير التغيرات المناخية على العوامل الاقتصادية المؤدية للهجرة، إلى جانب مناقشة رهانات الهجرة بالنسبة لبلدان الأصل والاستقبال.
وبعد أن ذكر بأن 2,5 في المائة من سكان العالم، أي ما يعادل 184 مليون نسمة بمن فيهم 37 مليون لاجئ، يعيشون حاليا خارج حدود البلدان التي يحملون جنسياتها، أشار كبير الاقتصاديين إلى أن مشهد الهجرة بالعالم دائم التطور بكل تأكيد، بسبب التغيرات المناخية والديموغرافية التي تفاقم باقي العوامل المؤثرة على حركية البشر وتحفز التنافس الدولي على استقطاب العاملين ذوي المهارات، على الرغم من وجود تفاوتات كبيرة بين الرخاء والصدمات، من قبيل النزاعات والعنف الذي غالبا ما يدفع البعض إلى مغادرة بلدانهم.
وسجل السيد دو أن الهجرة ستصبح ضرورية أكثر فأكثر للبلدان على كل الأصعدة، وأن غالبية المهاجرين استفادوا كثيرا من هجرتهم، لاسيما بحصولهم على حقوق ببلدان الاستقبال، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة لا يتعين أن تسمح للاختلافات الاجتماعية والثقافية بأن تغطي على المنافع الاقتصادية للهجرة، بينما على بلدان الأصل أن تدبر ملف الهجرة بفعالية لكي تجني فوائدها الإنمائية.
على صعيد آخر، اعتبر أن أوضاع اللاجئين يتعين أن تبرز كرهانات للتنمية على المدى المتوسط وليس فقط كرهانات إنسانية ملحة، مبرزا ضرورة خفض الهجرة الاضطرارية مع احترام كرامة المهاجرين.
وقال إنه “من أجل تدبير أفضل للهجرة، يتعين أن نقارب الأمور بشكل مختلف، يتعين إحداث بعض التغيير، يتوجب الاستماع إلى الأصوات الأقل تمثيلا، لاسيما أصوات البلدان النامية”، منوها بضرورة تعزيز التعاون الدولي الثنائي من أجل تحسين تأقلم المهاجرين، ومتعدد الأطراف من أجل الاستجابة لحركات الهجرة بدافع الفزع.
من جهته، ألح المدير الإقليمي للبنك الدولي بالمنطقة المغاربية ومالطا، جيسكو هينستشل، على أن الهجرة تنطوي على فوائد وعلى كلفة بالنسبة للمهاجرين ولبلدان الأصل ولبلدان الاستقبال، منوها بأنه في جميع الحالات، تبقى الحصيلة رهينة بالخصائص الفردية للمهاجرين وظروف تنقلهم والسياسات التي تعرضوا لها.
وأبرز المسؤول بأن اقتصاد العمل والقانون الدولي يعتبران من الأسس الضرورية لفهم مسارات الهجرة ووضع السياسات الملائمة في مجال الهجرة، مضيفا أن التقرير يقترح إطارا تحليليا يدمج البعدين للملاءمة بين مهارات وخصوصيات المهاجرين من جهة، وحاجات بلدان الاستقبال من جهة أخرى.
وأشار إلى أن التقرير يروم تمكين المسؤولين السياسيين من أدوات مساعدة على اتخاذ القرار، في سبيل تدبير أفضل للهجرة.
وجرى هذا اللقاء، الذي انعقد بكلية الطب والصيدلة بطنجة، بحضور على الخصوص ممثل المفوضية السامية للاجئين بالمغرب، فرانسوا ريبيت ديغات، ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إدريس اليزمي، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، وعدد من الخبراء والباحثين المغاربة والأجانب.