العلاقات المغربيّة الخليجيّة على ضوء الأزمة اليمنيّة وأبعادها الاستراتيجيّة
عادل بنحمزة
في الندوة الصحافية التي تلت قمة النقب، عبّر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بوضوح عن عزم المغرب مواجهة وكلاء إيران في المنطقة، ففي السنوات الأخيرة، كشفت الرباط محور طهران “حزب الله” الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية الذي يستهدف الوحدة الترابية للمغرب، وقد نتج من ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران، بعد سنوات قليلة من قطيعة سابقة كانت على خلفية التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبحرين، في سلوك دبلوماسي مغربي يدل إلى عمق العلاقات المغربية الخليجية التي شكلت على الدوام واحدة من أمتن العلاقات الثنائية والجماعية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
لم تكن علاقات المغرب مع المشرق العربي ذات طبيعة سياسية فقط، بل شكلت على الدوام امتداداً طبيعياً لعلاقات الدم، وبخاصة الارتباط الروحي بالمشاعر المقدسة، فكانت للخليج العربي بصفة عامة مكانة خاصة لدى المغاربة، كما شكلت طبيعة الأنظمة السياسية السائدة في المنطقة نقطة تقاطع هامة جداً في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، على الرغم من اختلاف المسارات السياسية والديموقراطية.. وقد شكلت أخبار الخليج العربي على الدوام واحدة من أبرز المواد الإخبارية متابعة عبر مختلف وسائل الإعلام.
وعلى قدر تطابق وجهات نظر الأنظمة السياسية في المنطقة ومواقفها مع مواقف الدولة المغربية في عدد من القضايا الدولية والجهوية والإقليمية، كان على المستوى الشعبي هنا في المغرب وهناك ببلدان الخليج بعض التباين بحسب طبيعة القضايا المطروحة، لكن بصفة عامة كان في المغرب شعور عام يقترب من الإجماع بأن مساحات التقاطع بين المغرب ودول الخليج كبيرة جداً، يمتد هذا الشعور ليشمل الأمن القومي، فالأمن الاستراتيجي للمغرب ينطلق جدار الصد فيه من بلدان الخليج ومن المشرق العربي، بما تسعه جغرافية هذا المشرق، لذلك شارك المغرب في أهم الحروب التي شهدتها المنطقة، بداية من المشاركة المغربية في حرب 1973 على جبهة الجولان السوري، مروراً بالدعم السياسي للعراق في حربه مع إيران، إلى المشاركة في تحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين، والحرب على تنظيم “داعش”، وصولاً إلى دعم شرعية الرئيس هادي في اليمن ضد الحوثيين وبقايا نظام علي عبد الله صالح في عملية عاصفة الحزم.
في كل تلك المشاركات، كانت الآراء هنا في المغرب تتباين، لكن الغالبية المطلقة لمختلف التيارات السياسية تعبر باستمرار عن الدعم الكامل للقرارات السيادية التي تتخذ على مستوى الدولة، حيث حتى لو وجد اختلاف في تقدير موقف ما، فإن التعبير عنه يكون مقيداً بتقليد وأعراف احترمتها دائماً القوى السياسية ذات التأثير على الساحة الوطنية.
آخر مشاركة عسكرية مغربية كانت من خلال “عملية عاصفة الحزم” الخاصة باليمن في مرحلتها الأولى، ولو أنها تبقى رمزية، إذ لم تتجاوز عدد الطائرات المغربية ست مقاتلات من نوع إف 16، فإنها تبقى مشاركة ذات بعد استراتيجي، تؤكد التزام المغرب الدائم بالاتفاقيات المتعددة التي تجمعه ببلدان الخليج العربي، وتؤكد من جديد استمرار عقيدة الأمن الإستراتيجي للمغرب الذي ينطلق وجوباً من المشرق، وتطابق الآراء بخصوص ما تشكله إيران ووكلاؤها من تهديدات حقيقية.
تعتبر المشاركة المغربية السابقة في “عاصفة الحزم”، قبل أن يتخذ المغرب موقفاً يحد من مشاركته العسكرية نظراً لاختلاف سياق بداية انطلاق العملية عما آلت إليه في ما بعد، أحد الملامح النادرة للحضور العسكري المغربي خارج أرض الوطن، لذلك كان هناك في الأوساط المغربية اختلاف في فهم وتفسير أهمية العملية السياسية والعسكرية والإنسانية التي تجري في اليمن، البعض اعتبر أن قرار خوض الحرب على الحوثيين وعلى الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، هو في الأصل قرار لتدارك أخطاء في تدبير التحولات التي عرفتها اليمن منذ 2010، بينما يرى آخرون أن بلدان الخليج بقيت دائماً على الحياد مما يجري في الداخل اليمني، وأن المملكة العربية السعودية مثلاً عندما ساندت صالح كان التزاماً منها بدعم الشرعية والحل السياسي، وهي رفقة باقي بلدان الخليج عندما قامت بالأمر نفسه مع الرئيس منصور هادي، فهي بذلك تبقى منسجمة مع اختيارها الأول، وأن من كان في حالة شاذة هو الرئيس السابق وجماعة الحوثيين الذين انتقلوا من العداوة إلى التحالف المرحلي ولو على حساب الدمار الكامل لبلد هو، بدون حرب، أصلاً في أسفل مراتب الدول على مختلف المستويات بوصفه دولة فاشلة.
المغاربة أيضاً وفي نوع من النقد البناء، يعتبرون أن بلدان الخليج تتحمل جزءاً من المسؤولية المعنوية على الأقل، من الوضعية العامة التي وصلت إليها اليمن، بداية من استثناء اليمن من منظومة تحالف دول الخليج، حيث لا التاريخ ولا الجغرافيا يسمحان بعزل اليمن وتركه يعيش أزماته الداخلية التي كان يعلم الجميع أنها لن تبقى داخلية، خاصة مع وجود لاعب إقليمي بحجم إيران يبحث عن موطئ قدم في الخليج، لقد كان للوحدة اليمنية تكلفة سياسية واقتصادية، كما كانت التحديات الاجتماعية والأمنية تتطور يوماً بعد يوم أمام صمت الكبار في الخليج، فكان طبيعياً أن يقع الركام في الجوار، إذ كان من المستحيل تجاوز بلد بحجم اليمن.
عندما تم توسيع السوق الأوروبية المشتركة لتضم اليونان وإسبانيا والبرتغال، وكانت كلها بلدان خرجت للتو من حضن أنظمة عسكرية شمولية وتعرف أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً، وضعت البلدان الأوروبية منظومة للدعم لهذه البلدان، وذلك للارتقاء بها إلى مستويات النمو والتحضر التي كانت تعرفها باقي البلدان في السوق المشتركة، وتواصل أوروبا إلى اليوم سياسة الإدماج هذه، بل قد ضمت إليها بلداناً أخرى، لأنها ببساطة تعتبر من مشمولات مجالها الحيوي وجدار الصد الأول.. لم يتحقق ذلك مع اليمن، والنتيجة هي ما نشاهده اليوم من مخاطر على أمن الخليج، ومن خلاله الأمن القومي العربي.
هل تشكل طاولة الحوار في الرياض بين الفرقاء اليمنيين، تحولاً في النظرة الإستراتيجية للمنطقة ككل، خاصة في ظل التحولات الجيواستراتيجية التي يعرفها العالم وسيعرفها بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتجدد أهمية مصادر الطاقة الأحفورية، أم مجرد تعبير مرحلي فرضته تحديات عسكرية على الأرض؟ وهل يعي القادة الخليجيون أن الحل السياسي في اليمن لا يمكن أن ينجح دون وعي بأن عزل اليمن مجدداً على هامش تحالف دول الخليج غير ممكن؟