الأحدث

الأستاذ يوسف احنانة : الوجود اليهودي بتطوان جسد عنصر التعايش والطمأنينة ورفاهية العيش

تواصلت أشغال “مؤتمر تطوان للتسامح والسلام وقيم التعايش المشترك” يوم السبت الماضي  بدار الزعيم عبد الخالق الطريس بالمدينة العتيقة،  بعقد ندوة ،  تحت شعار:”تطوان نموذجا للتلاقح وانصهار الديانات السماوية”، وذلك بمداخلة الدكتور يوسف احنانة، عضو المجلس العلمي المحلي ، في موضوع: “جدلية اللاهوت والعلم في أول مدرسة يهودية حديثة بتطوان”..

واستهل شيخ الأشعرية مداخلته بتحديد المقصود بيهود تطوان ، والذين تم طردهم بعد سقوط آخر قلاع المسلمين بغرناطة عام 1492، واستقر بهم المطاف في مدينة تطوان، حيث حملوا معهم الميراث العبري الأندلسي كما تشكل مع الفيلسوف واللاهوتي الكبير موسى بن ميمون، والذي يركز على تصفية الذات الإلهية من التشبيه والتعدد ، وعلى الكمال الأخلاقي، كما شكلته الكتابات العبرية المتأثرة بالمعتزلة والأشاعرة.

هذا الميراث الديني والخلقي تبلور وتطور مع الربيين اليهود في تطوان، حتى شكل منظومة متناغمة ومنسجمة ومتفتحة ومستنيرة، فأضحى يهود تطوان ميالين في ثقافتهم إلى ثقافة الروح ، وصارت تطوان بهم تسمى القدس الصغرى.

وأكد الأستاذ المحاضر في هذا اللقاء أنه على مستوى الأخلاقي، بنى يهود تطوان منظومة أخلاقية صارمة لا وجود فيها للزواج المبكر، ولا وجود لتعدد الزوجات، ويندر فيها الطلاق، كما تسود أخلاق التراحم والمؤازرة بينهم، وأعطوا للمرأة وظيفة راقية في تكوين وتربية الأطفال على المسؤولية والاستقلالية، مما جعلهم يحظون باحترام جيرانهم من مسلمي تطوان.

ومن حيث الجانب اللغوي أكد الأستاذ يوسف احنانة على أن يهود تطوان  حافظواعلى اللغة الإسبانية كلغة تواصل يومي لهم، مما جعل يهود الداخل يطلقون عليهم صفة الروميين أي المتشبهين بالأوربيين، في حين أطلق يهود تطوان على يهود الداخل forasteros أي الغرباء، بمعنى غرباء عن التمدن والتحضر، وعن الفهم الصحيح للدين.

وهذا الانفتاح اللغوي، مكنهم من ربط صلات خارجية بمختلف الأوساط في أوروبا وأمريكا.

ولما ظهرت للوجود جمعية الاتحاد الإسرائيلي العالمية، وفكرت في إنشاء مدارس لليهود عبر العالم، اختارت مدينة تطوان،لكل هذه المواصفات السابقة، سنة 1862 .حيث كانت أول مدرسة عبرية حديثة في إفريقيا وآسيا، وهي المدرسة التي ترأسها عالم تطوان، وكبير حاخامات اليهود بها وقتها، إسحاق بن وليد (1789_1870)، والذي كان مشهورا في الأوساط العبرية بسعة علمه وشخصيته المستنيرة والمتفتحة، حتى أطلق عليه بين يهود العالم شعلة المغرب العربي ، فقد بذل مجهودات جبارة في أن تحقق المدرسة أهدافها.

فقد كانت كلمته التوجيهية وقت الافتتاح تشي بالتشجيع التام على العلوم الحديثة، وهو ما أنتج أن أحد التلاميذ في وقت إدارته للمدرسة ذهب إلى فرنسا لإكمال دراسته العليا هناك.

وأبرز الأستاذ يوسف احنانة على أن الوجود اليهودي بتطوان جسد عنصر التعايش والطمأنينة ورفاهية العيش بالنسبة لتطوان، إذ كان ابن وليد شخصية عادلة، يعطي كل ذي حق حقه من غير تحيز ولا محسوبية ،حتى إنه شهر بين مسلمي تطوان بلقب العادل، فقد كان الجميع يرتاحون لأحكامه، وقد كانت له من جهة أخرى مجالسات علمية مع ولي تطوان يومها، سيدي عبد السلام بن ريسون ، حيث تبادلا وجهات النظر في العديد من القضايا التي تهم أهل تطوان ومعيشهم المشترك مع أبناء بلدتهم اليهود.

وقد كان لهذه الثقة في فضاء العيش/التعايش بتطوان أثرها البليغ حين وفاته، فقد شكل موته حدثا استثنائيا في مدينة تطوان، حيث بكاه أهلها بمختلف أطيافهم ودياناتهم.

لما توفي ابن وليد، خلفه عالم آخر، هو صامويل بن ناهون(ت1901) الذي سار على نهج سلفه، وأكمل المهمة ، حيث تخرج من هذه المدرسة المئات من التلاميذ الذين التحقوا بفرنسا أو إسبانيا، لإكمال دراستهم العليا هناك.

لكنهم حينما كانوا يعودون بشهاداتهم الحديثة ،لا يجدون فرص الشغل في وطنهم الأصلي، مما كان يجعلهم ، يضطرون للهجرة إلى فنزويلا والأرجنتين وفرنسا وإسبانيا وغيرها ،دون أن يستفيد من خبراتهم ،وطنهم الأم.

وأشار الأستاذ  المحاضر في ختام عرضه  إلى أن حرية يهود تطوان في ممارسة خصوصيتهم الدينية، ستتراجع مع الحماية الإسبانية، ذلك أنه لما استعمرت إسبانيا شمال المغرب، فرضت نظامها التعليمي على يهود تطوان، فأدمجتهم في منظومتها التعليمية، مع تخصيص خمس ساعات أسبوعية لتعلم العبرية وأخرى لتعلم الدين اليهودي. وتكييف عطلهم مع أعيادهم الدينية مثل حانوكا وبوريم وشابوت.. فتم التذويب التدريجي لهذه المدرسة العبرية الحديثة في تطوان. فانتهت معها صفحة من تاريخ خطوات عملاقة في درب العلم والمعرفة، أنجزها رجال ونساء تطوان اليهود، في فضاء العيش المشترك مع مسلمي هذه المدينة.

هذا ونشير إلى أن مؤتمر تطوان للتسامح والسلام وقيم التعايش المشترك -المنظم من طرف جماعة تطوان، وجامعة عبد المالك السعدي، بدعم من عمالة تطوان، وبشراكة مع جمعية الصويرة موكادور، مركز الأبحاث والدراسات حول القانون العبري كرسي القانون العبري بالمغرب – قد انطلقت فعالياته، مساء يوم الجمعة 7يوليوز 2023 بالجلسة الافتتاحية في رحاب رئاسة جامعة عبد المالك السعدي ،تحت إشراف المستشار الملكي أندري أزولاي.