الأحدث

حينما تشرق الشمس من المغرب!

عن موقع winwin بقلم عبد الهادي الناجي

بعد طلوع الشمس من مغربها من الأحداث العظيمة والغريبة، التي تلمُّ بالأرض ويذهل بها أهلها. وقد جعلها الله عز وجل علامة على اقتراب الساعة ودنو أجلها، سُقت هذا المثل للثورة الكروية التي تشهدها المملكة المغربية لهَوْل الحدث، نعم لقد أشرقت شمس الكرة من المغرب، حدث هذا عام 2022 في أثناء مونديال قطر، من كان يتخيل ويظن ويعتقد أن هذا سيحدث.. لا أحد.

وفعلًا أشرقت الشمس من المغرب، حينما حقق المنتخب الوطني المغربي تلك الانتصارات المعجزة، وها هم أشبال الأطلس يقتفون أثر الكبار، فتأهل المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 23 سنة إلى أولمبياد باريس وأحرز اللقب القاري، عقب تغلبه في المباراة النهائية على منتخب مصر 2-1، جاء ليكرس الطفرة التي تشهدها كرة القدم المغربية في السنوات الأخيرة… وليؤكد أن هذه الإشراقة لم تكن محض صدفة، بل مردها لعمل جدي وجاد.

في قطر رُسمت أجمل الملاحم وأروعها، ولعل من أبرزها تلك الملحمة الرائعة بين اللاعبين وآبائهم وأمهاتهم، وكيف امتزجت الأمومة والأبوة (ورضى الوالدين) والدموع، إلى درجة أن جميع من عاين تلك اللوحة التي رسمها اللاعبون بعرقهم وجهدهم وولائهم وتعلقهم بآبائهم وأمهاتهم، اقشعرت أجسامهم في مشهد غاب عن القواميس العائلية الأوروبية، وذهل الجميع من شدة وقع هذه اللحمة الأسرية التي افتقدت في جل الدول، وظلت شامخة في وطننا العربي؛ لأن الروابط الأسرية إحدى الدعائم الأساسية في بناء الإنسان العربي، وما زال العرب يتشبثون بها، فهي مصدر قوتهم.

نعم في المغرب أعيد نفس السيناريو خلال كأس أفريقيا بالمغرب لأقل من 23 سنة والمؤهلة إلى أولمبياد باريس، وذهل الجميع من أخلاق اللاعبين وتصرفاتهم التلقائية من عناق وتقبيل لرؤوس أمهاتهم بعد كل فوز، لم يكونوا يتخيلون أن الأمهات في بلداننا رمز الجنة والخلد، بحثوا كثيرًا كي يعرفوا جيدًا كل تفاصيل هذا البلد والذي ما هو إلا المغرب، أين يوجد؟ ماذا يأكل هؤلاء الناس؟ وماذا يشربون؟ ما ثقافتهم؟ وكيف يتعاملون؟ ما دينهم؟ ولماذا يسجدون ويرفعون سبابات أيديهم في كل مرة تضيق عليهم الأسباب؟ هكذا سطعت شمس المغرب، وأصبح حديث العالم، رفرفت أعلامه بأيدي كل محبيه ومحبي الساحرة المستديرة، أصبح قميصه الوطني لباس كل من يفتخر بعروبته وانتمائه لهذا البلد المجيد، من قريب ومن بعيد على السواء.

فالمغرب نجح عن جدارة واستحقاق في التأهل إلى دورة الألعاب الأولمبية للمرة الثامنة في تاريخه، وانضم بذلك إلى لائحة الـ11 منتخبًا التي تأهلت عن أمريكا الشمالية وأوروبا وأفريقيا في انتظار المؤهلين الثلاثة عن آسيا بقطر وأيضًا عن أمريكا الجنوبية من خلال المنتخبين اللذين سيتأهلان عن الدورة التي ستجري بفنزويلا. فوسط الطفرة التي عرفتها كرة القدم بالمملكة كانت تنقص سجلها فعلًا المشاركة مجددًا في الألعاب الأولمبية، خاصة بعد الغياب عن دورتي ريو دي جانيرو 2016 وطوكيو 2020، باعتبار أنه لا يعقل أن يغيب المنتخب أولمبيًا، والكل يعرف قيمة هذا الاستحقاق الكوني.
البلجيكي سفين فاندنبروك مدرب الوداد الرياضي يرمي المنشفة(Facebook/Wydad Athletic Club – WAC)
فاندنبروك يعلن مغادرة العارضة الفنية للوداد المغربي
اقرأ المزيد

إذا كانت المنتخبات الوطنية في المراحل السنية سابقًا تعاني الهشاشة والضعف في المستوى الفني والنتائج، ومنتخبات المراحل السنية بصفتها الرافد الأساسي للمنتخب الأول، فهذا مؤشر خطر أثر في السنوات الأخيرة على مستوى تطلعات الجماهير الشعبية العارفة بأدق تفاصيل الكرة، ولم نخرج من هذه الدوامة الحالية إلا في السنوات الأخيرة، في ظل التطوّر السريع الذي تشهده الكرة العالمية من جهة… ومواكبة المغرب هذه السرعة أفقيًا وعموديًا مع رجل اسمه فوزي لقجع قائد سفينة الكرة المغربية من جهة أخرى، هذه الأخيرة كانت بحاجة إلى تطوير وبناء قاعدة خاصة وفلسفة ثابتة تشمل جميع المكونات، فتوالت الانتصارات لجل الفئات السنية، ليتأكد للجميع أن الحالة الصحية للكرة المغربية في أوج عطائها وقوتها… ولا خوف عليها.

فالشارع الرياضي كان دائمًا في حيرة من أمره، يتساءل عن سر غياب المنتخبات الوطنية لكرة القدم وعن تحقيق أي نجاح يذكر في مختلف المراحل السنية، وحاليًا باتت المخرجات تعادل المدخلات والنتائج على قدر الطموحات، والرؤية والاستراتيجية التي وضعها اتحاد الكرة تتماشى مع الإمكانات، بفضل الدعم المالي الكبير المقدم لها. فبدأ الحصاد الإيجابي المخطط له بشكل دقيق.

بهذا جعل المغاربة الشمس تشرق من بلدهم، فأصبح المغرب مشرقًا ساطعًا للرياضة وللأخلاق وللشجاعة والفخر لكل العرب والمسلمين.

إنه سحر المغرب يا سادة، سحر شعبه، سحر الكرم والأخلاق الرفيعة، سحر الكرة وهي تغازل أقدام اللاعبين الذين لم يجعلوا في حسبانهم أي تمييز، فقد كان إيمانهم بالله وتوكلهم عليه، كنا نعاين هؤلاء الفتية وهم يسجدون للخالق شكرًا، إنها أجمل اللوحات التي تطمئننا أن لا خوف على لاعبينا وأخلاقهم وتشبثهم بدينهم… بلجوئهم إلى البارئ في السراء والضراء.

هنيئًا يا مغرب العروبة والإسلام، هنيئًا يا أشبال الأطلس، لقد كنتم فعلًا أسودًا وشرفتمونا وشرفتم العرب، فشكرًا لكم لما قدمتموه من عطاء وكفاح ونضال.
باريس تناديكم يا أشبال الأطلس

فبعد التأهل إلى الأولمبياد والفوز بكأس أفريقيا للأمم في دورتها الرابعة، يجب الآن استشراف المستقبل ببلوغ الدور الثاني لدورة باريس، وبالتالي تكرار الإنجاز الذي حققه المنتخب الأولمبي المغربي في دورة ميونخ 1972، وأن يكون المسار مشابهًا لمشوار منتخب الكبار في كأس العالم بقطر.

فالجمهور المغربي، بعدما حققه المنتخب الوطني في المونديال، لم يعد يكتفي فقط أو يرغب في المشاركة المشرفة أو المشاركة من أجل المشاركة بل يبحث عن تحقيق إنجازات كبرى؛ لأن سقف الطموحات ارتفع.